A review by redamahmoud
سدهارتا by Hermann Hesse, ممدوح عدوان, هرمان هيسه

4.0

سدهارتا أو الرجل الذي بلغ هدفه

بداية.. تعرفت على اسم الرواية من العراب أحمد خالد توفيق في روايته "مثل إيكاروس" وراق لي الاسم وتخيلت الفكرة أو نسجت لها خيوطًا عريضة وفق ما أتمناه أن تكون عليه.. وقررت أن أبحث عنها وأقرأها، وقد كان

لا أعرف لِمَ انتابني شعور غامض بأنّ الراوية تشبهني قبل أن أجدها وأنّ تتحدث عن معاناة البحث الدؤوب في الحياة ورغبة النفس المنهكة من وطأة البحث في أن تصل إلى مبتغاها لتهنئ قليلًا قبل أن تودع الحياة!! وعندما قرأت الرواية وجدت "سدهارتا" يجسد طائفة المعذبين في الأرض بحثًا عن السلام النفسي والاستقرار الروحي، وكذلك من يريدون أن يتوحدوا مع العالم في سلسلته الأبدية. وقد أفاض المترجم في المقدمة القصيرة حديثًا عن تلك النقطة ولك أن تعرف بنفسك ما قاله.

ما أروع الحياة التي تدفع عجلتها الأهداف المشروعة التي تكون بمثابة بوارق الأمل للغريق ترفعه فوق لجج الماء ليجد متنفسًا عما يكاد يودي بحياته، ولكن التفكير فقط في الأهداف والانشغال بها قد يجلعها تفر من بين أصابعنا دون دراية منّا وفي عجلة من أمرنا نفقد طرقًا وسبلًا أسهل وأقرب لما يدور حوله من بعيد ولكننا لا نلتفت لها. لطالما أعجبني هذا القول الذي يقول: اصعد.. ولا تقف تتأمل الدرج!! وهذا حقيقي فلو سنحت لك الفرصة بصعود السلم فلا تقف أبدًا وواصل السير حتى تصل إلى أخره، ومع ذلك، فالأمر في الحياة يختلف عن ذلك؛ فنحن في الحياة في طريقنا لا بد أن نقف بين الحين والأخر نتأمل ما حولنا وندرك بحواسنا هذا الخير والنعيم والقوى التي تحيط بنا، لندرك كنه أنفسنا وماهية الوجود.

ولقد تاه "سدهارتا" وتشعبت به الطرق وضل أحيانًا في بحثه ليصل إلى ما كان يبحث عنه، لأنّه صوّب نظره ووجه قلبه إلى هدفٍ بعينه لا يرى ولا يريد أن يرى غيره، فتفلتت منه الأشياء التي يبتغيها وهي بجواره. وكان الدرس الأهم الذي تعلمه من الملاح "فازوديفا" هو: الاستماع والإنصات لما حولنا متجسدًا في النهر وما يجود به علي من يقدسه. فحريٌّ بنا أن نستمع لكل مقطع تعزفه آلة الزمان ونوتة الكون كما قال الفيلسوف أفلاطون: بأنّ الكون كله يعزف مقطوعة موسيقية.
ومن أروع الدروس التي تلقيتها في تلك الرحلة هي قيمة الصداقة وصدق الصديق وقيمته وأهميته في الحياة ومساندة من بجواره وتجلي ذلك في "جوفيندا" عندما صاحب "سدهارتا" وصار معه إلى السامان وبعدها إلى جوتاما أو بوذا ليتعلما أصول العيش وثوابت النفس، حتى أنّ "سدهارتا" نفسه اندهش عندما رأه فقال له: "ها أنت قد أتيت"، فجاء الرد بسيطًا بليغًا:" نعم.. لقد أتيت!" ولم يفارقني لحظة طوال تلك الرحلة صورة صديقي وأستاذي حازم حمدي الذي أرى فيه عوضًا عن عبثية الحياة أو العيش وثقل وطأتهما عليّ وأراه يفوق "جويفندا" عندي وكل ما أرجوه من الله أن أكون كذلك عنده. فحمدًا لله على نعمة الصداقة الحقيقية، ولا يجدر بي أن أنسى أصدقاء آخرين كُثر يشدون على عضدي ويقونا ساعدي. فاللهم لك الحمد على تلك النعمة الجليلة.

نسج المبدع هرمان هسه روايته في جو هندي أسطوري ولكن بلغة شاعرية جميلة وقد وفق المترجم في نقل هذا الإحساس في بساطة اللغة وجمال اللفظ.
وأخيرًا: أروع كلمة تلخص تلك الرحلة المرهقة الرائعة هي: أنّ سدهارتا هو ذلك الشخص الذي بدأ بحب الحكمة وانتهى بحكمة الحب؛ فقد وجد الخلاص في حب كل شيء حوله وإدراك قيمته في الاتحاد الكوني والسلسلة التى تربط الكون ببعضه حتى نفسه تعلم ألّا يهرب منها وعرف كيف يحبها... فكل ما في هذه الحياة هو معلم لسدهارتا بما فيه الصخرة الصماء وذلك النهر الذي يلغي الزمن والمكان ويبقى نهراً واحد في كل جزء منه...

تجربة خفيفة ومميزة وشكرًا للعراب على تنبيهي لها وشكرًا لهرمان هسه وشكرًا لك لأنّك بتَ تتحمل إطالتي عليك كثيرًا مؤخرًا...