Scan barcode
A review by mariama_29
ناقة صالحة by سعود السنعوسي, Saud Alsanousi
5.0
ناقةُ صالحة
لمثل هذا الأدب قد خُلق القلم، ولمثله نقرأ.
ندمان يسيطران عليّ مع الرواية، ندمي مع سطورها الأولى، على أني أخّرتُ قراءة قلم مثل سعود، وندمي مع آخر سطورها على أنها لم تطُل!
بعد قراءة أول صفحات الرواية، مبهورة بلغة مثل هذه لكاتبٍ معاصر، ومرورًا بمنتصفها مع التواءات السرد وذروة الأحداث وتعاشق التفاصيل بشكلٍ تضافريّ، ووصولًا للنهاية والملحق وبلوغ البراعة مبلغها، أدركتُ أن سعود قلمٌ استثنائي، وغدا من أكثر الأقلام المحببة إليّ على الإطلاق.
أحملُ دفتري وأسجّل وأخطط الكلمات الجديدة، رموز الصحراء التي بدت قاموسًا كاملًا يحملُ في طياته لغةً متينة، أحببتها رغم صلابتها وجفائها، لكنها صادقة بالقدر الكافي لتصل. ولعتُ بالأمثال البسيطة وأبيات الشعر فيها، كما لو أن كلّ الحضارات والثقافات تتكثف في أمثالها.
أحبُّ الأدب الذي يُدرك بالحواس الخمس، وأجزم أن أدب سعود كذلك. سمعتُ ورأيتُ البحر سماع ورؤية المرةِ الأولى! دُهشتُ به كما لو أني مع الواقفة على تخوم الكون. سمعتُ صوت الإبل واستنشقتُ الحناء ونباتات الصحراء، وذقتُ التمر كما لم أذقه من قبل.
هرمٌ تنازلي للشخصيات، تبدأ الأحداث بالكثير، وتنتهي مع الغلاف، صالحة وناقتها، أو صالحة ربما فقط! المثيلتان اللتان يجرهما القدر في خطين متوازيين، وإن حادت إحداهما تستعيدُ طريقها بسرعةٍ طوعًا أو كرهًا، صالحة ووضحى وجهان لعملة واحدة، أو ربما هي مرآة تُظهر نفس الوجه!
بطلٌ "كان عليه ألّا يكون هو" يحملُ ربابته وشجًا في حاجبه وحظه على عاتقه ويمضي، لفظه كلُّ مكانٍ إلا المدينة، احتضنته حتى السجن، ثم لفظته مرةً أخرى. وخصيمه الهجّان يعيشُ بشعورٍ لا تُكذّبه صالحة، وغصةٍ في قلبه حتى يفيضها دمعًا ساخنًا. وصالحة النعجة الغبية، تمشي بلا يدين مع وضحائها، ترى في عيونها لقاء الأحباب، تحملُ الحناءَ ونقوشَها وطفلًا ملعونًا، تبحثان عن حبيبان في الشرق، تحت سحابةٍ تبشّرُ بما لا يجيء. وفالح الداهية، يملِك الخيوط كلها، الإجابة دائمًا فالح!
يخرجُ طلال من حِضنِ الشيخِ المنذور، سائلًا: "وهل هناك ثمة خلوج؟"
تكرار هيكل القصص لا يهدم أبدًا بناءها، فالركُّ على التفصيلاتِ وتضافر الحكاية، وسواءٌ كانت قصةً من التراث أم لم تكن، أجزمُ بوجود ديار صالحة وشخوصها في بقعةٍ وزمانٍ ما. النهاية عبقريّة، أحببتها بشدّة! وبعد أن أنتهي من قراءة سعود كلّه، أطمحُ أن أرى له ملحمةً في صحرائه الخاصة.
"يا الله! كلَّ هذا الماء، مثل الدمعِ، مالح!"
"وحده الاغترابُ يمنحك حنينًا لكلِّ ما تكره في ديارٍ تشتاقها."
"وأنا وأنت..
مسافتان لغربةِ السنوات
أركضُ نحو شمسكَ
أم.. تحنُّ إلى خرابي؟"
4-11-2019
قرأتُها مرتين متتاليتين في أسبوع
لمثل هذا الأدب قد خُلق القلم، ولمثله نقرأ.
ندمان يسيطران عليّ مع الرواية، ندمي مع سطورها الأولى، على أني أخّرتُ قراءة قلم مثل سعود، وندمي مع آخر سطورها على أنها لم تطُل!
بعد قراءة أول صفحات الرواية، مبهورة بلغة مثل هذه لكاتبٍ معاصر، ومرورًا بمنتصفها مع التواءات السرد وذروة الأحداث وتعاشق التفاصيل بشكلٍ تضافريّ، ووصولًا للنهاية والملحق وبلوغ البراعة مبلغها، أدركتُ أن سعود قلمٌ استثنائي، وغدا من أكثر الأقلام المحببة إليّ على الإطلاق.
أحملُ دفتري وأسجّل وأخطط الكلمات الجديدة، رموز الصحراء التي بدت قاموسًا كاملًا يحملُ في طياته لغةً متينة، أحببتها رغم صلابتها وجفائها، لكنها صادقة بالقدر الكافي لتصل. ولعتُ بالأمثال البسيطة وأبيات الشعر فيها، كما لو أن كلّ الحضارات والثقافات تتكثف في أمثالها.
أحبُّ الأدب الذي يُدرك بالحواس الخمس، وأجزم أن أدب سعود كذلك. سمعتُ ورأيتُ البحر سماع ورؤية المرةِ الأولى! دُهشتُ به كما لو أني مع الواقفة على تخوم الكون. سمعتُ صوت الإبل واستنشقتُ الحناء ونباتات الصحراء، وذقتُ التمر كما لم أذقه من قبل.
هرمٌ تنازلي للشخصيات، تبدأ الأحداث بالكثير، وتنتهي مع الغلاف، صالحة وناقتها، أو صالحة ربما فقط! المثيلتان اللتان يجرهما القدر في خطين متوازيين، وإن حادت إحداهما تستعيدُ طريقها بسرعةٍ طوعًا أو كرهًا، صالحة ووضحى وجهان لعملة واحدة، أو ربما هي مرآة تُظهر نفس الوجه!
بطلٌ "كان عليه ألّا يكون هو" يحملُ ربابته وشجًا في حاجبه وحظه على عاتقه ويمضي، لفظه كلُّ مكانٍ إلا المدينة، احتضنته حتى السجن، ثم لفظته مرةً أخرى. وخصيمه الهجّان يعيشُ بشعورٍ لا تُكذّبه صالحة، وغصةٍ في قلبه حتى يفيضها دمعًا ساخنًا. وصالحة النعجة الغبية، تمشي بلا يدين مع وضحائها، ترى في عيونها لقاء الأحباب، تحملُ الحناءَ ونقوشَها وطفلًا ملعونًا، تبحثان عن حبيبان في الشرق، تحت سحابةٍ تبشّرُ بما لا يجيء. وفالح الداهية، يملِك الخيوط كلها، الإجابة دائمًا فالح!
يخرجُ طلال من حِضنِ الشيخِ المنذور، سائلًا: "وهل هناك ثمة خلوج؟"
تكرار هيكل القصص لا يهدم أبدًا بناءها، فالركُّ على التفصيلاتِ وتضافر الحكاية، وسواءٌ كانت قصةً من التراث أم لم تكن، أجزمُ بوجود ديار صالحة وشخوصها في بقعةٍ وزمانٍ ما. النهاية عبقريّة، أحببتها بشدّة! وبعد أن أنتهي من قراءة سعود كلّه، أطمحُ أن أرى له ملحمةً في صحرائه الخاصة.
"يا الله! كلَّ هذا الماء، مثل الدمعِ، مالح!"
"وحده الاغترابُ يمنحك حنينًا لكلِّ ما تكره في ديارٍ تشتاقها."
"وأنا وأنت..
مسافتان لغربةِ السنوات
أركضُ نحو شمسكَ
أم.. تحنُّ إلى خرابي؟"
4-11-2019
قرأتُها مرتين متتاليتين في أسبوع