A review by scloud71
قليلاً من الأدب by د. عادل باناعمة, د. عادل باناعمة

5.0

هذا الكتاب اللطيف الماتِع ألِّف لغايةٍ شريفة، وهي تقريب الأدب العربي الزّاخر إلى بني جِلدته، وإزالة الحاجز النّفسي الذي يحول بينهم وبين تذوُّق لذيذ لَفظه وحَكيم معناه. حتّى لا تُنسى لُغة القرآن ويحثُو الزمان عليها التّراب

قسّمه إلى مَدخل وثلاثة فصول:
1- المَدخل:
وفيه عرفّ بعُجالة معنى الأدب لغة واصطلاحا، وعدّد ما يندرج تحته من شِعر منثور ونثر مَسبوك وخُطب بليغة وأدوات اللغة الخادمة له كالنحو والصرف والاشتقاق.. ثم أوردَ أطوار الأدب الثلاثة عبر التاريخ استنادا إلى ابن خلدون في ذلك. ثم ختم بسَرد بعض الشواهد عن السّلف والقدماء في مدحهم للأدب وحثهم على تعلم اللغة العربية

2- الفصل الأول:
جَعل أساسه سؤال "لماذا ندعو إلى الأدب؟" مُجيبًا عليه باستفاضة تكاد تُغطي نصف الكتاب، كحث الإسلام على تعلمه وإنشاده وتوظيفه ضد المشركين آنذاك، ونفي الحُجج الواهية التي يستدل بها الزاهد فيه المُعتقد للإثم لمن يقرأ في الأدب شرط أن لا يكون ماجنًا أو مؤثرا سَلبا ًعلى أدائه لواجباته الدينية. ولأن اللغة تعبر بشكل مباشر عن الإنسان -بعد دينه طبعًا- وكما أن تضييع قوم ٍللغتهم وادابها يُفقدهم السيادة والشرف، وكون الأدب ضروريا للنهضة العلمية حيث أنه ينير العقل ويلتفته إلى ماكان عنه غائبًا. ولأن الأدب يرفع أقواما ويضع آخرين كما وضع بني نمير لما هجاهم جرير، كما أن الأدب مفيد في المواقف المحرجة حيث يُخوّلِ للإنسان الردّ المفُحِم، وأخيرا.. لكون الأدب ضروريا للتخلص من أشنع شيء لدى السّلف الأوائل وهو اللحن.

3- الفصل الثاني:
ذَكر في فصله هذا "عوامل النهضة الأدبية" في مُحاولة جادّة منه لاستنهاض الهِمم تُجاه اللغة العربية، وذلك في خطوات كُثُر منها المعلم الجيد؛ فكما أن طالب الأخلاق يتطبّع بأخلاق معلمه الخَلوق، فكذلك طالب البيان يتطبّع بصنعة معلمه. ومنها أيضا عدم التزهيد من حفظ الأشعار ونَفيس الألفاظ مبُينًا عدم التعارض بينه وبين نباهة الذهن؛ فباجتماعهما يتولّد النبوغ. وعرّجَ على ضرروة تنشأة الأبناء على تشرُّب لغة الضاد منذ الصغر حيث المَحلّ لا زال شاغرا قابلاً للملء مورِدًا في ذلك آثارا متنوعة عن الصحابة وغيرهم في تأديبهم لأبنائهم واهتمامهم باللسان العربي فيهم

4- الفصل الثالث:
هنا ختم الكاتب كتابه بذِكر جَمعٍ من وصايا أعلام الأدب قديما وحديثا اعتنوا فيها بتوجيه طالبه إلى مفاتيح المَلكة اللغوية الفَذّة، ومدارج التفقه في الكتابة النثرية والشعرية. فلأجل ذلك، نَبشَ قَبر الجرجاني وابن رشيق والنواجي والمنفلوطي والرافعي والطنطاوي وغيرهم كثيرٌ. وقد أحسن النقل عنهم في ما يفيد الطالب ويعينه على التعمّق في هذا المجال بعد استغلاقه عليه.

أكثر ما استحسنته بالكتاب شخصيًّا، هي التنبيهات التي يُرفقها أ عادل مع الأشعار المُخالفة للهَدي الإسلامي الحنيف، ودَفعه للوهم الذي قد يقع فيه القارئ بخصوص مسائل عدّة تُقبّح الأدب في عينيه ويفرّ عنه فرارًا لا رجعة بعده


وكل ما سبق، وما ينتظرك -قارئَنا المُحترم- بين ثنايا الكتاب ما هو إلا نُتف منتقاة بعناية بالغة .. لم تشفِ غليلي وغليل الكثيرين ممّن تذوقوا لذة الأدب وعاشوا معه لسُويعات معدودات. ولذلك كان لِزاماً على المحب الصادق البرهنة على حُبه لهذا الأدب الفاخر، ولا يكون ذلك إلا بالتشمير عن الساعد والغَوص في ربُوع ما كُتبِ فيه شعرا ونثرا.. حتى يفيض الإناء، وأنّى له ذلك دون ما سبق؟

- تمت.