A review by ferro
المعطف والأنف by Nikolai Gogol

4.0

قصتان للكاتب الروسي الكبير "جوجول" والذي قال عنه أديب بقيمة "دوستويفسكي": «لقد خرجنا كلنا من معطف جوجول»، إشارة إلى القصة الرائعة "المعطف"، وكعادة الأدباء الروس في تلك الفترة، تتميز القصتان بنزعة إنسانية مفرطة، وانحياز للإنسان المهمش، ويتميز جوجول تحديدا بفرط خياله الجامح، فهو يكتب بطريقة تشعر معها أنه في نوبة جنون حادة، أو أنه تحت تأثير عقار يجعله تحت تأثير حالة متقدمة من الهلوسة، وخاصة قصة الأنف العجيبة.
المعطف:
تحكي القصة حكاية الموظف "أكاكي أكاكيفيتش" الفقير المعدم المهمش، والذي يتحمل الإهانات والسخافات دون شكوى أو تذمر، يقوم بعمله الروتيني على أكمل وجه، ولا يخطئ أو يتأخر مهما وضع تحت الضغط، ويظهر الرمز الأساسي للقصة بقوة، وهو معطف هذا الإنسان البائس، معطف مهترئ تماما، لم يعد يتحمل أي تصليحات، ونظرا للبرد القارص، أصبح منتهى أمل أكاكي هو معطف جديد، يقيه من البرد، ويعطيه مظهرا أكثر وقارا.
المتميز في تلك القصة هو الوصف شديد الدقة للحالة الروسية في ذلك الوقت -النصف الأول من القرن التاسع عشر- كيف يتعامل الموظفون في الدوائر الحكومية، كيف يسخر الناس من الألمان كما ورد على لسان "بتروفيتش" الخياط، وكيف يتعمد المديرون إهانة الموظفين وفرض سيطرتهم عليهم.
ينجح أكاكي في الوصول لهدفه، ولكن هل تسمح له الحياة القاسية بالاستمتاع بلحظات السعادة البسيطة تلك، في بقية الأحداث ما يفطر القلب، يصور جوجول الحالة المتردية لأكاكي بطريقة رائعة، والغريب أن الكاتب يكسر الحائط الرابع، ويبدأ الراوي في التحدث مع القراء عدة مرات في أسلوب نادر في الكتابة الأدبية.
تلك القصة واحدة من روائع الأدب في التاريخ الإنساني، مفرطة في المشاعر الإنسانية، ناقدة لكل التصرفات المنحطة للبشر عند تعاملهم مع هم أقل منهم، وكيف يمكن لإنسان بسيط أن يتعذب طوال حياته بلا ذنب اقترفه، فقط لأن الحياة لم تحبه.

الأنف:
قصة عجيبة تدور في إطار خيالي عن مفتش غادرت أنفه من وجهه، وأصبحت تتجول في الشوارع مرتدية بدلة عسكرية وهي متنكرة على شكل جنرال، ويصبح الهم الشاغل لبطل القصة "إيفان يعقوبليفيتش" هو استعادة أنفه المفقود.
قصة مجنونة، وخيال عجيب، ينتقد الكاتب عبر سطورها الغرور المفرط، السلطة المفسدة، وعلى لسان البطل تحديدا تظهر الرمزية المقصودة بالأنف، فالوجه لا يظهر بشكل مقبول بدونها، ويقول لو إنه فقد إصبعا أو أذنا لم يكن ليهتم، ولكن لا يستطيع أن يحيا دون أنفه.
في تلك القصة يكسر الكاتب الحائط الرابع مرة أخرى، وكأنه تعمد تلك التقنية من أجل تمرير الرسائل التي يمكن أن تغيب عن القارئ، الرمزيات تحديدا يمكن تفسيرها بعدة طرق، ولا يمكن الوقوف على تفسير واحد، وهو من أهم مميزات القصتين، وخاصة "المعطف"، القصة الرائعة التي تعلمنا لما يكتب الأدب، وكيف يمكن كتابته، ومدى تأثيره حتى لو ببضعة كلمات قليلة.