A review by ayarezk
Through the Looking-Glass by Lewis Carroll

4.0

إنه ذاك النوع من الأدب الذي لا تستطيع الإتيان به إلا إن كنت تتعاطى المهلوسات. إن صناعة عالم ذي عجائب من صنوف المخلوقات و التاريخ مهمة شاقة، لكن خلق عالم يحتكم إلى قواعد جديدة من المنطق تبدو عقلانية جدا داخل حدوده قل من استطاعوا خلقه بتلك الحنكة. ليس ذلك و حسب، في بلاد العجائب و منطقها المجنون تولد الحكمة من قلب الجنون و العشوائية. تصيبك بدوار عنيف. لا ليس ذلك الإعياء المعتاد. إنه دوار يعصف بعقلك الذي جبل على تراتب الأشياء وفق منطق محدد، و تزيد حيرته على قدرة ذلك الجنون على خلق أرقى أنواع الحكمة. إنها حتما قصة للبالغين، فهي شديدة السوداوية. المخلوقات العجيبة ليست مخيفة، لكنها تبعث في جسدك قشعريرة مربكة و مريبة. ملكة القلوب التي لم تعدم أحدا قط تجعلك دائما تتحسس رقتبتك.
ربما تكون القصة ترميزا لانتقال أليس إلى مستهل عالم البالغين، حين تنمو أجساد المراهقين بشكل غير متناسق و غير معتاد. يصطدمون بعبثية الحياة، و غياب المعنى و المنطق. إنه عالم البالغين، حيث الألغاز التي يستحيل عليهم حلها. "ما القاسم المشترك بين الغداف و المكتب؟" إن تأمل الأسئلة الكبرى في الحياة يتهافت و يتقلص إلى نفس درجة عبثية لغز صانع القبعات المخبول. عبثية لا تدركها عقولنا بفعل التعود، حتى صار طرح تلك الأسئلة مألوف و منطقي تماما، و هو أبعد ما يكون عن ذلك. نحن في قرار أعماقنا نعرف أنها أسئلة عبثية لأنه لا جواب لها، فطرحها إذا عبثي ابتداء.
إنها حياة البالغين التي يطاردون فيها أحلاما متفلتة بأدوات غير مضمونة. تماما مثل لعبة الكروكيت السخيفة.
الموت يطاردهم و لا يرونه. عدو مباغت يصيبهم بذعر مزمن، كما تفعل ملكة القلوب برعاياها.
عالم البالغين الذي يظنه الأطفال جنة غناء، تحرقت أليس إلى الوصول للحديقة. وصلت بشق الأنفس سباحة في دموعها. اصطدمت بالواقع المخيف المجنون، لكنها لم تكف عن الفضول العبثي لحظة. نفسك في هذا العالم المجنون لا هي طابت باليقين في جنونه فكففت عن الفضول، و لا هي سكنت بسعيك في فك لغز مستحيل.
لا يسعفك علمك هناك، كما فشلت أليس في استعادة دروس المدرسة. المدرسة التي علمتها جدول الضرب لكن لم تعلمها الغسيل. التعليم النظامي لا يعد الصغار لل"غسيل". لا يعدهم لمواجهة مهام الحياة المملة التي لا تتعلق بدروس التاريخ أو العلوم.
دنيا الكبار حيث لا أخلاق، حيث التسابق في التعجرف و الجفاف و الاستخفاف الذين ضاقت بهم الفتاة ذرعا بسبب سوء خلق المحلوقات. حيث الغطرسة و الظلم المطبقين.
الشعور بأن تغيرات جسدك تملي عليك اختياراتك و تقلص فرصك أمر حتمي مرعب.
إنك لست حبيس قدرات جسدك المحدودة فحسب، بل حبيس اللغة التي تعجز عن وصف ما يطوف حول رأسك من جنون. حبيس المنطق الذي لا تجيد غيره، و لن يغنيك من جوع الفضول.
تعيش في كنف أسرتك حياة مملة غير عابيء بالمسقبل، غير معد لخوض حياة الكبار. تواجه الواقع بسرعة مخيفة بعد البلوغ. بسرعة تضاهي سرعة السقوط الحر في حفرة الأرنب. تحاول تفادي ارتطام الأحداث الكبار الموجهة نحو رأسك من كل صوب.
يخدعك الوقت، فتظن أنك باق في ساعتك و محلك أبد الآبدين، ثم يتفلت منك دون أن تشعر. أنت مدان حينئذ من قبل الملكة و المحلفين ب"قتل الوقت" و سوف تواجه الموت. قتلت وقتك حتى أتاك الموت.
يروي القصة راو مجهول الهوية، فيكلل كل شيء بطبقة إضافية من الغموض. هل كل ذلك حقيقة أم وهم؟ ما معنى كل هذه التفاصيل؟ لا أحد هنالك يجيبك. يجيبك صمت صاخب، فالصوت ذو جلجلة مسموعة في هذا العالم المجنون.
ظننت أنني سوف أقصها على صغيرتي، و بعد الانتهاء منها أظنني لا أعرف إذا ما كانت تستحق كل هذا القدر من الصدمات.
ربما الأحرى بي أن أعلمها كيف الغسيل، و أمنحها مظلة تبطيء من سرعتها و تهديء من روعها عندما تسقط في حفرة الأرنب!