A review by ahmedhossam
الحروب الصليبية كما رآها العرب by Amin Maalouf, عفيف دمشقية, أمين معلوف

5.0


((قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
***
"الحمد لله الذي أعز الإسلام بهذا النصر وأعاد هذه المدينة إلى حظيررته بعد قرن من الضلال. والمجد لهذا الجيش الذي اختاره الله للفتح المبين، والسلام عليك يا صلاح الدين يوسف بن أيوب، يا من أعاد إلى هذه الأمة كرامتها بعد أن أهينت وذلّت"
~قاضي دمشق محي الدين بن الزكي، مفتتح أول خطبة جمعة من المسجد الأقصى بعد استرداده
***
من أقيم كتب التاريخ التي قرأتها في حياتي

سرد شامل لقرنين من الحروب الصليبية، بدءًا بورود الأخبار بأولى الحملات إلى مسامع المسلمين في بلاد الشام، وانتهاءً بطرد آخر الفرنجة من بلاد المسلمين في عهد السلطان المملوكي خليل بن قلاوون.

في البداية تتعثر قليلا في طوفان الأسماء والمواقع والأعلام، ثم تستمتع بسرد بالغ السلاسة بلا عثرات، كأنك في حضرة راوٍ يحكي لك القصة بنفسه.
كيف رأى المؤرخون المسلمون الحملات الصليبية؟ وماذا حدث في هذه الأعوام الطويلة؟
تدرك أن القتال لم يكن بين طرفين، وإنما في كل طرف مصالح متناقضة وأهواءً شتى، بل قد تجد في معركة واحدة مسلمون وفرنجة في الطرفين!
ترى بعينيك ملوك المسلمين يستنصرون الفرنجة على إخوانهم، وترى حواضر كانت زاهيةً بالعمران والحضارة تصير رمادًا كأن لم تك شيئًا وسبحان من له الدوام
***
تكتشف أن صلاح الدين حلقة في سلسلة طويلة من الأمراء المجاهدين ضد الصليبيين وذوي الطموح السياسي في وجه المسلمين، تكتشف فيه جانبًا ناصعًا من الكرم والشهامة والمروءة وهو يبالغ في الوفاء بعهده للمدن المحاصرة ولا سيما القدس، وإصراره أن يفتحها رغم تحذير أحد المنجمين أنه سيفقد إحدى عينيه، قائلا إنه مستعد لفقد العينين في سبيل استردادها، ترى أنه بلغ من سخائه الحد الذي كان يخيف أمراءه حتى يضطر خزنة بيت المال إلى ادخار الأموال من ورائه كي يدبروا نفقات الدولة.
وتكتشف فيه أيضًا جانبًا مظلمًا من الطموح بل الانتهازية، وجحوده فضل نور الدين وسرعة ملله من الحصار، ورفضه مشورة أمرائه وكثرة اخطاءه العسكرية
رحمه الله
***
فائدتين عظيمتين خرجت بهما من هذا الكتاب البديع:

أولاهما كانت فكرة تدور في ذهني أثناء قراءتي في التاريخ الإسلامي ولم أجد من بلورها حقًا إلا أمين معلوف؛ ألا وهي الغياب التام للمؤسسات السياسية في الحضارة الإسلامية، نعم كان المسلمون يعلون من قيمة العدل كمفهوم مطلق، لكن في واقع الأمر لم يكن هناك موانع ضد بطش الأمراء. بل لعلها الحضارة الوحيدة التي غاب عنها التنظيم السياسي، أين هذا من ديمقراطية اليونان، وبرلمانات أوروبا ودساتيرها حتى في أكثر عهودها ظلامًا؟ ولعل هذا الداء هو الذي جعلها أمتنا عرضة لاستبداد متطاول لا يقطعه سوى لمحات قصيرة من العدل تخبو بموت أصحابها، وأن الحرب الأهلية كانت مصير البلاد بعد موت أي قائد يفلح في توحيدها، وكثرة الفتن بين المسلمين وقهر العباد وسيادة مبدأ التغلب، والناظر في تاريخ مصر مثلا يرى أن المناداة بدستور وتمثيل شعبي لم تظهر أصلا إلا في الثورة العرابية في نهاية القرن التاسع عشر!

أما الفائدة الثانية فهي أن تاريخ الحملات الصليبية ليس ماضيًا وانقضى، إنما هو حاضر في اللغة السياسية، والأدبية، المعاصرة حضوره قبل اليوم بقرون.
أليست إسرائيل حملة صليبية جديدة؟ وتناحر الدول المسلمة اليوم هو عين تناحر أسلافهم؟ ألم يكن سقوط بغداد في الغزو الأمريكي للعراق هو ذاته سقوطها أمام التتار؟

لهذا لا يجب الاستهانة أبدًا بقراءة هذه الفترة بتأنٍ وملاحظة الأمراض التي لا تزال متفشية في جسد الأمة حتى اليوم
***
ملاحظة أخيرة، الترجمة في منتهى الروعة والدقة، لغة عربية جزلة تضيف متعة إلى متعة الكتاب نفسه
جزى الله المترجم خير الجزاء
***
اللقاء الأول مع أمين معلوف، ولن يكون الأخير إن شاء الله