A review by mariama_29
كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها by Iman Mersal

5.0

كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها

لعدة أسباب كنتُ متحمسة للقراءة لإيمان مرسال، من بينها اطلاعي على صفحات من ترجمتها لكتاب تشارلز سيميك، اللغة سلسة غير متصنعة، فوددت اختبار هذا وتكراره مع كتابةٍ لها، وقد كان..
هنا ترى الأمومة من منظورٍ داخلي، مركزي، كأنك تقف ثابتًا والأمومة تدور حولك، ترى باطنها وليس قشرتها الخارجية، ترى وجه الأمومة التي لا تجرؤ الكثيرات أن تتحدث عنه. هنا ترى الخوف، والفقد، وفقدان الهوية، ترى كيف أنّ شعور إنكار الذات والتضحية من أجل الطفل، ليس دائمًا من باب البطولة، بل ممكن أن يكون من باب العجز عن غيره! وليس دائمًا يترك أثرًا طيبًا، بل ممكن أن يسبب شرخًا! وليس دائمًا دافعه الفطرة، بل ممكن أن يكون تكرارًا للمأساة!
إيمان تنزع قشرة الأمومة السميكة التي نراها دائمًا، وتنحت ما تحتها من مشاعر، لتكشف في النهاية هذه الذات، هذه النفس البشرية، التي –من الطبيعي- في النهاية لها مشاعر وتخوفات وندوب وهواجس وفزاعات.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام: الأول تتحدث فيه عن تجربة الأمومة عمومًا، سواء في متنها العام (تجارب الأمومة عند الجميع) أو في متنها وإطارها الخاص عند كل امرأة بذاتها (والتي تسقطها دائمًا على تجربتها مع أمها). يبدو أن موت أمها في سنٍ صغير، وفي طفولة إيمان، قد سبب لها خللًا في توازنها، والذي أثر بشكلٍ ما –لا أجزم بسلبيته أو إيجابيته- في أمومتها مع طفليها. هذا الجزء كان يحوي عرضًا لأشباح الأمومة، وعنفها، وتأثيرها العكسي على الأم، والذي قد يحوّل الأم لناقمة على فكرةِ أن يستغلها الجنين كجسرٍ للعبور إلى الحياة، وهي لا تملك في هذا زمام أمرها. وكذلك فكرة مرجعية الأمومة، من أين تستمد كلُّ أمٍ مرجعيتها في التعامل مع ابنها وولادته؟ هل من طفولتها؟ من تجربة أمها؟ حسنًا كيف إن كانت بلا أم؟ من أين استمدت حواء مرجعيتها إذًا؟
ثم القسم الثاني عن ارتباط الفوتوغرافيا بالأمومة، كيف ترى هي أمَّها دائمًا مجرد شبح في الصورة الوحيدة التي تجمعهما، وكيف أنّها تستشعر أمّها في كلِّ شيءٍ تركته –مثل طائر كانفاه قد شغلته بيديها- ما عدا تلك الصورة. وكيف كانت الأمهات في القرون السابقة، تنكر ذاتها تمامًا، وتتحول شبحًا، فقط لتثبّت ابنها –الذي قد يكون ميتًا- أمام الكاميرا وتخلّد ذكراه للأبد.
القسم الثالث، وهو الأقرب لي، والمليء بالشجن والعذوبة، يوميات لها متفرقة على عدد من السنين، تحكي عنها وعن أسرتها وطفليها، كيف كانت الغربة فردٌ من أفراد الأسرة، وكيف كانوا يجلسون جميعًا تحت غيمة الحزن والقلق، وعن ألم المعدة التي تشعر به حين تعلم أن الفراشات المضطربة في عقل ابنها ما هي إلا نسلٌ للفراشات في عقلها. تحوّل الحزن والإرهاق إلى كلمات تجبرك على تذوقها، وفي النهاية، تخرج لا تعلم هل كان ذلك حلمًا أم علمًا!
الرابع والأخير، تحكي عن الحواديت وبطلاتها اليتيمات، وعن الأحلام، وعن جنازة أمها، التي تأبى أن تزورها في الأحلام إلا في ظروفٍ معينة، وعن جدتها التي تلازمها دائمًا حتى وهي تغني لأطفالها في لكنتها الإنجليزية الحزينة. وعن أغانيها المفضلة وهي صغيرة التي ما كانت سوى عدودات جدتها على أمها.
الكتاب لا يصلح للتقييم والنقد، فقط للقراءة مرات عديدة، الكتاب تجربة قد يشعر بها الملايين يوميًا، لكن لا أظنهم يدركون أنهم يشعرون بهذا كله..

28-1-2020