A review by mohamedhabeb
الحروب الصليبية كما رآها العرب by Amin Maalouf, عفيف دمشقية, أمين معلوف

5.0

الحروب الصليبية كما رآها العرب..

"واختلف السلاطين فتمكّن الفرنج من البلاد"

نرجع بالزمن ألف سنة إلى الوراء وخطر الفرنج قادم من جهة الغرب. من جهة بحر مرمرة يتقدم جيش من المرتزقة بأسمال بالية إلى القسطنطينية عاصمة الروم. جيش مرتزقة دعاهم ملك الروم حتى يهزموا أعداؤه السلجوقيين اللذين أخذوا منه نيقية منذ أمد ليس ببعيد.
ولكن لم يتوقع أحد أن تستمر معاناة العرب والروم على حد سواء مع هذا الجيش ما يقارب القرنين من الزمان، ولم يتوقع أحد أن يقاتل هولاء الجنود المرتزقة بكل هذه القوة ولا أن تسقط المدن الإسلامية ويساق أهلها للسبي والذبح بهذا الشكل، الواحدة تلو الأخرى.

نرى جلياً ضعف المسلمين، وتكالبهم على بعضهم البعض. غابة من المؤامرات بين حكام الدويلات المختلفة والمتنازعة، فهذا أخ ناقم على أخوه، وهذا أتابك عسكر طامع في سلطة أكبر، وهذا متآمر يرى في الفرنج خطر أهون من خطر أمير الدويلة المجاورة، يخشى أن ينتصر حاكم منافس فيجعل من نفسه منقذاً ويخسر هو بالتبعية دويلته.

وبعد فترة قصيرة أصبح أمر جيش الفرنج للفرنج، ولم يعد يسيطر عليهم القيصر الذي جاء بهم. فهم يسعون إلى احتلال بيت المقدس ليقيموا دولتهم المستقلة البعيدة عن قيصر الروم ألكسي ويبيدوا المسلمين عن بكرة أبيهم. حتى أنهم أصبحوا جزءاً من المشهد السياسي العربي، بتحلفاته وتذابح أمراؤه بينهم وبين بعض، حتى أن معركة قامت بين أمير الموصل المتحالف مع الكونت بغدوين صاحب الرها وابن خالته جوسلين صاحب تل باشر ضد صاحب أنطاكية الفرنجي طنكري المتحالف مع رضوان صاحب حلب. فالحكام على حالهم مشغولون بتدمير بعضهم البعض وتدمير سمعتهم وصورتهم مراراً وتكراراً حتى وإن تعاونوا مع الفرنج، وحتى إن وصل الحال بأن فرض الفرنج على حاكم حلب أن يضع صليباً فوق المسجد الجامع ويقبل هو بذلك صاغراً.
ووصل جبروت الفرنج وفسادهم حتى أنهم أكلوا كل ما وقعت عليه أعينهم وأيديهم في زمن المجاعة من الكلاب حتى البشر من العرب والأتراك المسلمين، ولقد وصل ذل حكام العرب أمام الفرنج حتى رضوا أن يتعاونوا معهم ويقدموا المساعدات للعدو مكرهين لأن "اليد التي لا تستطيع كسرها، قبّلها وادع عليها بالكسر".

وسقطت المدن الشامية بعدما سقطت مدن الأناضول قبلاً، واستمر انتقال الأمور من سيء إلى أسوأ حتى من الله على العرب بأمراء نجحوا في فرض بعض السيطرة وأولهم نورالدين الزنكي الذي فتح الرها عام 1144م ومن ثم وحد أغلب بلاد الشام تحت راية واحدة ودمر الحملة الصليبية التي أتت لإستعادة الرها. ومن بعده جاء قائد جيشه على مصر، يوسف (صلاح الدين) الأيوبي الذي حمل لواء بلاد الإسلام من بعد الزنكي والذي حرر القدس بعد كل سنين الإحتلال.
وعلى الرغم من كل الأخطاء التي ارتكبها صلاح الدين والذي يعترف بها معاصروه ومنها عدم تحريره لصور وجعلها مقر للفرنج استعادوا منها قوتهم، ولكنها لا تساوي شيئاً أمام خيانات من خلفوه التي لا تغتفر، حتى أن ابن أخيه الكامل أعطى القدس لملك الفرنج "فريدريك الثاني" دون قتال، لأنهم أصدقاء وحتى لا يغضب عليه بابا روما الذي كان يرغب في استعادة المدينة المقدسة.
وما زاد الطين بلة مجيء المغول في النهاية وتدمير ما تبقى من العالم العربي، حتى انتهى الأمر أخيراً بقيادة السلطان قلاوون وابنه الكامل فاتح عكا بعد ما يقرب من مائتي عام من الحروب التي تشتعل وتخمد ثم ما تلبث أن تشتعل حتى تخمد من جديد. المعارك التي غيرت وجه العالم العربي تماماً، التي بدأت والحكم في يد الفاطميين والسلجوقيين وانتهت والحكم في يد المماليك، والتي بدأت وبغداد مركز الخلافة وأنتهت وبغداد مدمرة ومركز الحكم هو القاهرة. الحروب التي دمرت الفرنج والمغول وطردتهم من العالم العربي في النهاية.

هذا الكتاب هو تأريخ للعصور الوسطى العربية، بداية التخلف العربي والتقدم الغربي، زمن الخيانات المتكررة والفوز المظفر والهزائم النكراء.
فالكتاب يقدم رؤية شاملة لبداية المشاكل بين الشرق والغرب، المشاكل المستمرة حتى الآن والتي جعلت منهم في النهاية منفتحين على الأخر وأدت إلى انغلاقنا نحن.

5/5