A review by nawaf9c
من حديث النفس by علي الطنطاوي

4.0

هذا الكتاب "نفثة مصدور" ، كلمات مملوءةٌ بالحزن والألم والحنين، حزنٌ على حاله كأديب. يقول رحمه الله متأسفًا على حاله لقد كانت رغبتي في الحياة أن أكون كاتبًا يشار إليه بالأصابع، فماذا أفدت من الأدب؟ لم أجده إلا عبثًا ولم أجد الأدباء إلا مجانين! يسعون خلف سرابٍ خادع يسمونه: المجد الأدبي.
فقد كان رحمه الله يحب الفقه؛ فندم على تفريطه الشديد في وقته وعمره عن التزود بالعلم وتفضيله الأدب.

وألمٌ على ذهاب أيام الطفولة والصبا؛ فيقول: أحاول أن أستطلع من وراء هذا الشباب الذي نالت منه الليالي حتى أشرفَ على الكهولة وهدته مطالب العيش وأخذت منه رواءه وبهاءه، فبدا كالشجرة المنفردة القائمة على شفير وادٍ؛ عاجلها الخريف ببرده وعواصفه. وحنينًا إلى الوطن إلى دمشق، إلى حضنه الأول، يتذكرها فيسيل قلبه رقةً وشوقا. فلما توقف قلمه توقف عن الكتابة، فلم يعد يملك زمامه واستعصى عليه واستعصم منه. راحَ يتوجد على أيام غربته. ويقول: يا حبذا الغربة، وأنعم بها مثيرًا للشعور موقضًا للهمم. كُنت أتألم منها فأصف ألمي وأشتاق فأصور شوقي. لقد رجعت لا آلم ولا أسر، ولا أقول إني راضٍ ولا مبتئس .. وهذا لعمري شرّ ما يمر به الأديب.

كانت أكبر آمالي يوم كنت صغيرًا أن اصبح معلمًا لِأنال قدرًا من التبجيل والإكبار، فأصبحت معلمًا فلم أجد في هذه المهنة ما كنت أراه وأصبو إليه. فأمِلتُ أن أصبح كاتبًا وأن أكون قاضيًا وأكون خطيبًا وأن أسيح في البلاد، فلم أجد فيها إلا ألم الإنتظار وملل البقاء. فتيقنت أني لو صرت رئيس الجمهورية أو كان لي مال قارون؛ لذهبت الأيام بلذة ذلك كله وهوّنه الاعتياد فلم أستفد إلا الحسد والحسرة، وما هي إلا أوهام من نالها ملّها. فلا يزال بني الإنسان في شقاء الحاضر الذي لا يقنع به وبالآتي الذي لا يصل إليه.

الكاتب قام بالتفسير المناسب لهذا النزق الذي يشعر به ويعاني منه وقد ذكره في جزءٍ صغير من هذا الكتاب وهو قوله:
(ما أشكو مرضًا فصحتي جيدة، ولا أشكو الفقر فما أجد من المال يكفيني، وإنما أشكو فراغًا في النفس لا أعرف مأتاه، وقوىً فيّ لا أجد لها مصرفًا، وحنينًا إلى شيء غامض لا أدري ماهو على التحقيق)!

رحم الله الشيخ الأديب علي الطنطاوي وأحسن إليه..