A review by mariama_29
قلب الليل by Naguib Mahfouz

5.0

حيث الزمان دائمًا مفقود والمكان دائمًا حارة من حواري السحر، تلك البقعة التي تأخذني إليها كتابات نجيب محفوظ، البقعة الخالية من الملل والرتابة، خالية من كلِّ شيء إلا الجمال والإتقان والذهول وكتاباته المتفردة. نجيب محفوظ حقّ أن يقال عنه: كاتبٌ كما أُنزل.
بكل بساطة العالم وتعقيده يغزل الشاطر -نجيب محفوظ- رائعتَهُ برجل حمار! خيطين سميكين يضفرهما متأنيًا وعلى مهل، يدري متى يرخيهما ومتى يوثقهما ليخرج لنا في النهاية "قلب الليل". رواية قصيرة تسير في خطين متوازيين يتعلق كلاهما بالراوي.. جعفر الراوي.. جعفر إبراهيم سيد الراوي. الخيط الأول لقاء ممتد بينه وبين موظف في مصلحة حكومية، جاء يقصده في خدمة ثم نشأت بينهم صداقة تجعله يروي له أسطورته، قصة حياته مذ كان طفلًا، وهذا هو الخيط الثاني. يحكي بطلنا "الراوي" ذو البدلة الرثة والجسد النحيل الطويل أسطورتَه التي بدّلته من حالٍ إلى حال إلى آخر. يفتخر دائمًا أنّه يجيد التكيّف والتأقلم مع الظروف، يتلوّن كالحرباء حسب لون البقعة الاجتماعية التي تلقيه الدنيا عليها، وربما هذا أكثر ما أعجبني في شخصيته. يسرد لنا حكايته مع الحب والمأساة، مع العلم والدين والدراسة، مع السياسة، مع العقل والجنون المقدس عنده فوق كل شيء. له في كلِّ حكاية حكايته الخاصة. بطلنا يفعل كلَّ ما يمليه عيله جنونه ولا يندم أبدًا، يثنيه كبرياؤه عن التماس قد يتيح له الموت على فراش دافئ على الأقل، يقرر أن يبقى صعلوكًا حتى النهاية ويهمس: "لتمتلئ الحياة بالجنون المقدس حتى النفس الأخير".
7-9-2018